فصل: مُحَسِّر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مُحَسِّر

انظر‏:‏ وادي محسّرٍ‏.‏

مُحَصَّب

التّعريف

1 - المحصَّب في اللغة على وزن‏:‏ مفعَّل بالتّشديد والفتح من الحصبا‏,‏ وهي الحصى الصّغار‏:‏ اسم مكانٍ تكثر فيه الحصباء‏.‏

والمحصّب أو وادي المحصّب‏:‏ موضع بمكّة المكرّمة‏,‏ يسمى أيضاً الأبطح‏,‏ من البطحاء وهي الحصى الصّغار‏,‏ وكان مسيلاً لوادي مكّة تجرف إليه السيول الرّمال والحصى‏,‏ وقد أصبح الآن مكاناً عامراً بالأبنية‏,‏ يقع بين القصر الملكيّ وجبّانة المعلّى‏,‏ في منطقته شارع واسع يحمل اسم الأبطح‏.‏

ويتعلّق بالمحصّب هذا حكم من مناسك الحجّ هو التّحصيب‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏حج ف 107‏)‏‏.‏

مَحْضَر

التّعريف

1 - المحضر مصدر ميمي‏:‏ بمعنى الحضور والشهود‏.‏

يقال‏:‏ كلّمته بمحضر من فلانٍ‏,‏ وبحضرته‏:‏ أي بمشهد منه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو الّذي كتب القاضي فيه دعوى الخصمين مفصّلاً‏,‏ ولم يحكم بما ثبت عنده بل كتبه للتّذكر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

السّجل‏:‏

2 - السّجل لغةً‏:‏ الكتاب يدوّن فيه ما يراد حفظه يقال‏:‏ سجّل القاضي‏:‏ قضى وحكم وأثبت حكمه في السّجلّ‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ السّجل‏:‏ كتاب الحكم وقد سجّل عليه القاضي‏.‏

والفرق بين المحضر والسّجلّ‏:‏ أنّ المحضر لا يتضمّن النّصّ على الحكم وإنفاذه‏,‏ أما السّجل ففيه حكم القاضي‏.‏

الحكم التّكليفي

2 - قال الفقهاء‏:‏ ينبغي للقاضي كتابة محضرٍ في الدّعاوى والخصومات الّتي ترفع أمامه في مجلس حكمه لأنّ الحاجة تدعو إلى المحافظة على الدّعاوى والبيّنات‏,‏ ولا يمكن حفظها إلا بالكتابة ويستحب أن يتّخذ كاتباً‏,‏ تشترط فيه شروط تفصيلها في‏:‏ ‏(‏قضاء ف 43‏)‏‏.‏ ومحل استحباب كتابة المحضر‏:‏ إذا لم يطلب من له المصلحة من الخصمين كتابته‏,‏ فإن سأل أحد الخصمين القاضي كتابة ما جرى أمامه في مجلس الحكم وكان له في ذلك مصلحة‏,‏ كأن يترافع خصمان إلى القاضي فأقرّ أحدهما لصاحبه بالمدّعى به أو نكل المدّعى عليه عن اليمين‏,‏ وردّ على المدّعي وحلف‏,‏ وسأل القاضي أن يكتب له ما جرى أمامه في مجلس الحكم من غير حكمٍ‏,‏ فالأصح عند الحنابلة يجب إجابته‏,‏ وهو قول عند الشّافعيّة‏,‏ لأنّه وثيقة له كالإشهاد‏,‏ لأنّ الشّاهدين ربّما نسيا الشّهادة‏,‏ أو نسيا الخصمين فلا يذكرهما إلا ذوي خطّيهما‏,‏ والأصح عند الشّافعيّة‏:‏ يستحب للقاضي إجابته‏,‏ لأنّ الكتابة لا تثبت حقاً‏.‏

ويستحب نسختان‏:‏ إحداهما لصاحب الحقّ‏,‏ والأخرى تحفظ في ديوان الحكم‏.‏

ثمن الورق الّذي تكتب فيه المحاضر

4 - ثمن الورق الّذي تكتب فيه المحاضر والسّجلات وغيرها من بيت المال‏,‏ لأنّه من المصالح‏.‏

فإن لم يكن فيه مال‏,‏ أو احتيج إليه إلى ما هو أهم فعلى من له العمل من مدّعٍ ومدّعىً عليه إن شاء كتابة ما جرى في خصومته‏,‏ وإن لم يشأ فلا يجبر عليه‏.‏

صيغة المحضر

5 - إن اختار القاضي أن يكتب محضراً‏,‏ أو سأله من له مصلحة من الخصمين كتابته‏:‏ ذكر فيه ما يأتي‏:‏

أ - اسم القاضي الّذي جرت الخصومة أمامه واسم أبيه ونسبه‏,‏ ومكان ولايته‏,‏ وتاريخ إقامة الدّعوى‏,‏ وأنّها أقيمت أمامه في مجلس قضائه وحكمه‏.‏

ب - اسم المدّعي‏,‏ والمدّعى عليه إن كان يعرفهما باسميهما ونسبيهما ويرفع نسبيهما حتّى يتميّزا‏.‏

وإن كان لا يعرفهما‏:‏ كتب‏:‏ حضر عندي في مجلس حكمي‏:‏ مدّعٍ ذكر‏:‏ أنّه فلان بن فلانٍ الفلاني وأحضر معه مدّعىً عليه ذكر‏:‏ أنّه فلان بن فلانٍ الفلاني ويرفع نسبيهما‏,‏ ويذكر أهمّ صفاتهما كالغمم‏,‏ والنّزع‏,‏ ولون العين‏,‏ وصفة الأنف‏,‏ والفم‏,‏ والحاجبين‏,‏ واللّون‏,‏ والطول‏,‏ والقصر‏.‏

ج - المدّعى به‏,‏ ونوعه وصفته‏.‏

د - أقوال المدّعي‏.‏

هـ - أقوال المدّعى عليه من إقرارٍ أو إنكارٍ‏,‏ فإن أقرّ كتب‏:‏ أقرّ للمدّعي بالمدّعى به‏,‏ وإن أنكر كتب إنكاره‏,‏ وإن شهدت عليه بيّنة ذكرها‏,‏ وإن كتب المحضر بطلب من له مصلحة في كتابته ذكر في المحضر أنّه كتبه استجابةً لرغبته وذكر‏:‏ أنّ البيّنة أقيمت أمامه في مجلس حكمه‏,‏ لأنّ ذلك شرط لصحّة الشّهادة‏.‏

و - أسماء الشهود وأنسابهم‏,‏ فإن لم يكن للمدّعي بيّنة ذكر في المحضر‏.‏

ز - فإن استحلف المنكر ذكر في المحضر‏.‏

ح - فإن حلف وسأل القاضي أن يكتب له محضراً لئلا يحلف ثانياً أجابه‏,‏ وذكر أنّ المدّعى عليه سأل ذلك‏,‏ وأنّه أجاب طلبه‏.‏

ط - وإن نكل عن اليمين كتب‏:‏ فعرضت اليمين عليه فنكل منها‏,‏ هذه صورة المحضر‏.‏ وإن اشتمل المحضر أسباب الحكم‏,‏ وقامت الحجّة على ثبوتها أمام القاضي‏,‏ وسأل صاحب الحقّ القاضي أن يحكم له بما ثبت في المحضر‏,‏ لزم على القاضي أن يحكم له به وينفذه‏,‏ فيقول بعد ثبوت أسباب الحكم بالحجّة الشّرعيّة في المحضر‏:‏ حكمت له به‏,‏ وألزمته الحقّ‏.‏

لأنّ الحكم من لوازم الثبوت‏.‏

مُحْضِر

التّعريف

1 - المُحضِر بضمّ أوّله وكسر ثالثه في اللغة‏:‏ هو من يحضر الخصم إلى مجلس القاضي‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - للقاضي أن يتّخذ محضراً ليحضر الخصم بعد الإعذار إليه‏,‏ ولو جبراً بطلب المدّعي وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏دعوى ف 59‏,‏ و 60 و 61‏)‏‏.‏

أجرة المُحضِر

3 - مؤنة المحضر على الطّالب بالإحضار ابتداءً‏,‏ فإن امتنع وأحضره المحضر جبراً فالمؤنة عليه لتعدّيه بامتناعه عن الحضور‏.‏

ومحل وجوب مؤنة المحضر على الطّالب أو المطلوب إذا لم يكن له رزق في بيت المال‏,‏ فإن كان له رزق فيه فلا تجب على واحدٍ منهما‏.‏

مَحْظورات

انظر‏:‏ إحرام‏,‏ حظر‏.‏

مُحْكَم

التّعريف

1 - المحكم اسم مفعولٍ من أحكم الشّيء إحكاماً‏:‏ أتقنه ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ‏}‏ لأنّ ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد إنّما يكون محكماً لوضوح مفرداته‏,‏ وإتقان تركيبها‏,‏ يقال بناء محكم‏:‏ متقن مأمون الانتقاض‏.‏

2 - وفي الاصطلاح‏:‏ المحكم ما لا يحتمل في التّأويل إلا وجهاً واحداً‏,‏ وقيل غير ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المتشابه‏:‏

2 - المتشابه مأخوذ من الشّبه‏,‏ والشَّبَه والشَّبِيه والشِّبه‏:‏ المثل‏,‏ والمتشابهان‏:‏ المتماثلان والمشتبهات‏:‏ المشكلات‏.‏

وفي الاصطلاح قيل‏:‏ هو ما عسر إجراؤه على ظاهره كآية الاستواء‏.‏

وقيل‏:‏ هو ما استأثر اللّه بعلمه كالحروف المقطّعة في أوائل بعض سور القرآن‏.‏

والصّلة بين المحكم والمتشابه‏:‏ التّضاد‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمحكم

3 - المراد بالمحكم هنا‏:‏ هو البيّن المعنى الثّابت الحكم‏,‏ الواضح الدّلالة الّذي لا يحتمل النّسخ في آي القرآن‏.‏

وحكمه وجوب العمل به قال تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ‏}‏ والمراد من الكتاب القرآن‏.‏

والمعنى‏:‏ إنّ في الكتاب آيات قد أحكمن بالبيان والتّفصيل‏,‏ وأثبتت حججهنّ وأدلّتهنّ على ما جعلن عليه أدلّةً من حلالٍ وحرامٍ‏,‏ وغير ذلك ممّا جاء فيها‏,‏ ثمّ وصف جلّ ثناؤه تلك الآيات المحكمات بأنّهنّ أم الكتاب الّذي فيه عماد الدّين والفرائض والحدود وسائر ما يحتاج الخلق إليه من أمر دينهم ودنياهم‏,‏ وما كلّفوا به من الفرائض في عاجلهم وآجلهم‏,‏ وسمّاهنّ أمّ الكتاب‏,‏ لأنّهنّ معظم الكتاب‏,‏ وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه‏,‏ والعرب تسمّي جامع معظم الشّيء‏:‏ أمّه‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ر‏:‏ الملحق الأصولي‏.‏

مُحَكَّم

انظر‏:‏ تحكيم‏.‏

محكوم عليه

التّعريف

1 - المحكوم في اللغة‏:‏ اسم مفعولٍ من الحكم وهو القضاء‏,‏ وأصله المنع يقال‏:‏ حكمت عليه بكذا‏:‏ إذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك‏,‏ وحكمت بين القوم‏:‏ فصلت بينهم فأنا حاكم وحكم‏.‏

وفي الاصطلاح الفقهيّ المحكوم عليه هو الّذي يقضى عليه لغيره‏.‏ وفي اصطلاح الأصوليّين هو المكلّف‏:‏ وهو من تعلّق بفعله خطاب اللّه تعالى بالاقتضاء أو التّخيير‏.‏

الأحكام الفقهيّة المتعلّقة بالمحكوم عليه

تتعلّق بالمحكوم عليه أحكام فقهيّة منها‏:‏

أ - لزوم إصدار القاضي الحكم على المحكوم عليه‏:‏

2 - إذا قامت الحجّة وتوفّرت أسباب الحكم لزم القاضي إصدار الحكم على المحكوم عليه إذا طلب المحكوم له ذلك‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏قضاء ف 75 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - طلب المحكوم عليه فسخ الحكم‏:‏

3 - الأصل عند الفقهاء‏:‏ أن لا يتتبّع أحكام القضاة‏,‏ ولا يمكّن العامّة من خصومة قضاتهم لأقضية حكموا بها‏,‏ ولا تسمع عليهم دعواهم في هذا الموضوع‏,‏ لأنّ في ذلك امتهاناً لمنصب القضاء‏,‏ وإهانةً للقضاة واتّهاماً لنزاهتهم‏,‏ ولأنّه يؤدّي إلى رغبة العلماء عن القضاء‏,‏ ولأنّ الظّاهر صحّة أحكامهم وكونها صواباً‏,‏ لأنّه لا يولّى إلا من هو أهل للولاية‏,‏ وتتبع أحكام القضاة تشكيك في نزاهتهم‏,‏ واتّهام لهم في عدالتهم‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏نقض‏)‏‏.‏

الأحكام الأصوليّة المتعلّقة بالمحكوم عليه

4 - للمحكوم عليه - وهو المكلّف عند الأصوليّين - شروط منها‏:‏

أحدها‏:‏ الحياة‏,‏ فالميّت لا يكلّف‏,‏ ولهذا لو وصل عظمه بنجس لم ينزع على الصّحيح‏.‏ الثّاني‏:‏ كونه من الثّقلين‏:‏ الإنس والجنّ والملائكة‏.‏

الثّالث‏:‏ العقل‏,‏ فلا تكليف لمجنون ولا صبيٍّ لا يعقل‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏.‏

مَحَلّ

التّعريف

1 - المحَل في اللغة‏:‏ - بفتح الحاء - مصدر ميمي‏,‏ وهو المكان الّذي يحل فيه‏,‏ ومنه محل الإعراب في النّحو وهو ما يستحقه اللّفظ الواقع فيه من الإعراب لو كان معرباً‏.‏ والمحِل - بكسر الحاء - المكان الّذي يحل فيه‏,‏ والأجل‏,‏ فمحل الدّين أجله‏,‏ ومحل الهدي يوم النّحر‏.‏

وقال الزّمخشريّ‏:‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ أي وجوب نحرها‏,‏ أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهيةً إلى البيت‏.‏

والمحلّة‏:‏ المكان ينزله القوم‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يذكر الفقهاء أنّ المحلّ - بكسر الحاء - هو الوقت والأجل‏,‏ وبفتح الحاء الموضع والمكان‏,‏ كما يطلق على الشّيء الّذي يقع عليه التّصرف‏.‏

ما يتعلّق بالمحلّ من أحكامٍ

أولا‏:‏ المحل بمعنى الموضع والمكان

يأتي المحل بهذا المعنى في عدّة مواضع منها‏:‏

أ - تطهير محلّ النّجاسة‏:‏

2 - اختلف الفقهاء فيما يحصل به طهارة محلّ النّجاسة‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين النّجاسة المرئيّة وغير المرئيّة‏,‏ فإذا كانت مرئيّةً طهر المحل المتنجّس بها بزوال عينها‏,‏ وإذا كانت غير مرئيّةٍ طهر المحل بغسلها ثلاثاً وجوباً مع العصر كلّ مرّةٍ‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ محلّ النّجاسة يطهر بغسله من غير تحديد عددٍ مع زوال طعم النّجاسة ولو عسر‏,‏ وزوال اللّون والرّيح إن تيسّر‏.‏

وفرّق الشّافعيّة بين أن تكون النّجاسة عيناً أو ليست بعين‏.‏

فإن كانت النّجاسة عيناً وجب بعد زوال عينها إزالة الطّعم‏,‏ فإن عسر زواله بحتّ أو قرصٍ ثلاث مرّاتٍ عفي عنه ما دام العسر‏,‏ ويجب إزالته إذا قدر‏,‏ ولا يضر بقاء اللّون أو الرّيح إن تعسّر زوالهما‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه تطهر المتنجّسات بسبع غسلاتٍ منقيةٍ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏طهارة ف 11‏)‏‏.‏

ب - في الوضوء‏:‏

2 - الأصل أنّه يجب غسل أو مسح محلّ الفرض في الوضوء‏,‏ كما يسن غسل أو مسح ما هو سنّة‏,‏ وهذا أصل متّفق عليه‏.‏

وقد اختلف الفقهاء فيما يشمله محل الفرض أو السنّة‏:‏

ويسن عند جمهور الفقهاء الزّيادة على محلّ الفرض في الوضوء في اليدين والرّجلين لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ أمّتي يأتون يوم القيامة غراً محجّلين من أثر الوضوء‏,‏ فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته فليفعل»‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يكره الزّيادة على محلّ الفرض لأنّه من الغلوّ في الدّين‏.‏

وتفصيل أحكام محلّ الوضوء ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

ج - النّظر إلى محلّ السجود في الصّلاة‏:‏

4 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يسن للمصلّي أن ينظر إلى موضع سجوده في جميع صلاته لقول أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ كان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السّماء في الصّلاة‏,‏ فلمّا أنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ‏}‏ رمقوا بأبصارهم إلى موضع سجودهم‏,‏ لأنّ جمع النّظر في موضعٍ أقرب إلى الخشوع‏,‏ وموضع سجودهم أشرف وأسهل‏.‏

قال أحمد في رواية حنبلٍ‏:‏ الخشوع في الصّلاة أن يجعل نظره إلى موضع سجوده‏,‏ وروي ذلك عن مسلمة بن يسارٍ وقتادة‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ وهذا في غير صلاة الجنازة‏,‏ أمّا في صلاة الجنازة فإنّه ينظر إليها‏.‏ واستثنى الشّافعيّة من النّظر إلى موضع السجود في الصّلاة حالة التّشهد‏,‏ فإنّ السنّة إذا رفع مسبّحته أن لا يجاوز بصره إشارته‏.‏

قال الخطيب الشّربيني‏:‏ وعن جماعةٍ أنّ المصلّي في المسجد الحرام ينظر إلى الكعبة‏,‏ لكن صوّب البلقينيّ أنّه كغيره‏,‏ وقال الإسنوي‏:‏ إنّ استحباب نظره إلى الكعبة في الصّلاة وجه ضعيف‏.‏

وجزم البغويّ والمتولّي بأنّ المصلّي ينظر في القيام إلى موضع سجوده‏,‏ وفي الركوع إلى ظهر قدميه‏,‏ وفي السجود إلى أنفه‏,‏ وفي القعود إلى حجره‏,‏ لأنّ امتداد البصر يلهي فإذا قصّر كان أولى‏.‏

وقد روي عن بعض الصّحابة أنّه قال‏:‏ «قلت يا رسول اللّه‏:‏ أين أجعل بصري في الصّلاة ‏؟‏ قال‏:‏ موضع سجودك‏,‏ قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه‏,‏ إنّ ذلك لشديد‏,‏ لا أستطيع ‏؟‏ قال‏:‏ ففي المكتوبة إذاً»‏.‏

واستثنى الحنابلة من النّظر إلى موضع السجود ما إذا كان المصلّي في صلاة خوفٍ ونحوه‏,‏ كخائف ضياع مالٍ ونحوه‏,‏ فينظر إلى جهة العدوّ وإلى جهة ماله لحاجته إلى ذلك دفعاً للضّرر‏.‏

وعدّ الحنفيّة النّظر إلى موضع السجود وغيره من الآداب‏,‏ جاء في الدرّ المختار‏:‏ من آداب الصّلاة نظر المصلّي إلى موضع سجوده حال قيامه‏,‏ وإلى ظهر قدميه حال ركوعه‏,‏ وإلى أرنبة أنفه حال سجوده‏,‏ وإلى حجره حال قعوده‏,‏ وإلى منكبه الأيمن عند التّسليمة الأولى‏,‏ وإلى منكبه الأيسر عند التّسليمة الثّانية وذلك لتحصيل الخشوع‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ إذا كان في هذه المواضع ما ينافي الخشوع فإنّه يعدل إلى ما يحصل فيه الخشوع‏,‏ ثمّ نبّه ابن عابدين إلى أنّ المنقول في ظاهر الرّواية أن يكون منتهى بصره في صلاته إلى محلّ سجوده‏.‏

وقال المالكيّة على ما جاء في منح الجليل والخرشيّ‏:‏ يكره النّظر إلى موضع سجوده لتأديته لانحنائه برأسه وإنّما يجعل بصره أمامه‏,‏ قال ابن رشدٍ‏:‏ الّذي ذهب إليه مالك أن يكون بصر المصلّي أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شيءٍ أو ينكس رأسه‏,‏ وهو إذا فعل ذلك خشع بصره ووقع في موضع سجوده على ما جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وليس بضيّق عليه أن يلحظ بصره الشّيء من غير التفاتٍ إليه‏,‏ فقد جاء ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال ابن العربيّ‏:‏ قال مالك‏:‏ ينظر أمامه فإنّه إذا أحنى رأسه ذهب بعض القيام المفروض عليه في الرّأس وهو أشرف الأعضاء‏,‏ وإن أقام رأسه وتكلّف النّظر ببعض بصره إلى الأرض فتلك مشقّة عظيمة وحرج‏,‏ وإنّما أمرنا أن نستقبل جهة الكعبة‏,‏ وإنّما المنهي عنه أن يرفع المصلّي رأسه إلى السّماء لأنّه إعراض عن الجهة الّتي أمر بالنّظر إليها‏,‏ لما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في الصّلاة أو لا ترجع إليهم»‏.‏

لكن بعض فقهاء المالكيّة جعل نظر المصلّي إلى موضع سجوده من المستحبّات‏.‏

د - اشتراط المحرم التّحلل في محلّ الإحصار‏:‏

5 - اختلف الفقهاء في مشروعيّة الاشتراط في الإحرام‏,‏ وهو أن يقول المحرم عند الإحرام‏:‏ إنّي أريد الحجّ أو العمرة‏,‏ فإن حبسني حابس فمحلّي حيث حبستني‏.‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الاشتراط في الإحرام غير مشروعٍ‏,‏ ولا أثر له في إباحة التّحلل‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى مشروعيّة الاشتراط في الإحرام وأنّ له أثراً في التّحلل‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحصار ف 45 وما بعدها‏)‏‏.‏

هـ - في الوديعة‏:‏

5 - قال المالكيّة‏:‏ يضمن المودَع الوديعة إن سافر وأودعها لغير زوجةٍ‏,‏ إلا إذا كان يخشى ضياعها ببقائها في محلّها كانهدام الدّار ومجاورة من يخشى شرّه‏,‏ ولا تضمن إن سافر بالوديعة وردّها لمحلّ إيداعها ثمّ تلفت‏.‏

ويجوز للمودع أخذ أجرة المحلّ الّذي تحفظ فيه‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وديعة‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ المحل بمعنى الأجل والزّمان

يأتي المحل بهذا المعنى في عدّة مواضع منها‏:‏

أ - في السّلم‏:‏

7 - من شروط السّلم أن يكون الأجل فيه معلوماً والمسلم فيه مقدور التّسليم عند الأجل‏,‏ وقد عبّر بعض الفقهاء - كالشّافعيّة والحنابلة - عن أجل التّسليم ووقت حلوله بالمحلّ‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏سلم ف 23 وما بعدها‏)‏‏.‏

بـ - في الشفعة‏:‏

8 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الأظهر الجديد إلى أنّه لو بيعت دار بثمن مؤجّلٍ إلى أجلٍ معلومٍ فإنّه لا يحق للشّفيع أن يأخذ في الحال بالثّمن المؤجّل‏,‏ وإنّما هو مخيّر بأن يعجّل الثّمن للمشتري ويأخذ المشفوع فيه في الحال‏,‏ أو يصبر إلى المحلّ - وهو وقت الحلول - ويأخذ عند ذلك‏,‏ وليس له أن يأخذها في الحال بثمن مؤجّلٍ‏,‏ قال الحنفيّة‏:‏ لأنّ الشّفيع إنّما يأخذ بما وجب بالبيع‏,‏ والأجل لم يجب بالبيع‏,‏ وإنّما وجب بالشّرط‏,‏ والشّرط لم يوجد في حقّ الشّفيع‏,‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لو جوّزنا له الأخذ في الحال بالثّمن المؤجّل لأضررنا بالمشتري لأنّ الذّمم تختلف‏,‏ وإن ألزمناه الأخذ في الحال بنظيره من الحال أضررنا بالشّفيع‏,‏ لأنّ الأجل يقابله قسط من الثّمن‏,‏ فكان ذلك دافعاً للضّررين وجامعاً للحقّين‏.‏ وروي عن أبي يوسف في شراء الدّار بثمن مؤجّلٍ‏:‏ أنّه يجب على الشّفيع أن يطلب الشفعة عند علمه بالبيع‏,‏ فإن سكت إلى محلّ الأجل فذلك تسليم منه‏,‏ ثمّ رجع وقال‏:‏ إذا طلب عند حلّ الأجل فله الشفعة‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة إلى أنّه إن كان الثّمن عن الشّقص المشفوع مؤجّلاً إلى أجلٍ معلومٍ فللشّفيع أن يأخذه بالأجل إن كان مليئاً‏,‏ فإن كان معسراً أقام كفيلاً مليئاً وأخذه بالثّمن المؤجّل‏,‏ لأنّ الشّفيع يستحق الأخذ بقدر الثّمن وصفته والتّأجيل من صفته‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ فإن لم يكن الشّفيع موسراً ولا ضمنه مليء فإنّه لا شفعة له‏,‏ إلا أن يعجّل الثّمن على ما اختاره اللّخميّ إلا إذا كان الشّفيع مثل المشتري في العدم‏,‏ فإنّه يأخذ بالشفعة إلى ذلك الأجل‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ إذا كان الثّمن مؤجّلاً ورضي المشتري بدفع الشّقص وتأجيل الثّمن إلى محلّه وأبى الشّفيع إلا الصّبر إلى المحلّ بطلت الشفعة على الأصحّ‏.‏

ج - في الرّهن‏:‏

9 - قال الشّافعيّة‏:‏ لو شرط المرتهن كون المرهون مبيعاً له عند حلول الدّين فسد الرّهن لتأقيته وفسد البيع لتعليقه‏,‏ والمرهون في هذه الصورة قبل المحلّ - أي وقت الحلول - أمانة‏,‏ لأنّه مقبوض بحكم الرّهن الفاسد‏,‏ وبعده مضمون بحكم الشّراء الفاسد‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يصح البيع إن رهن شيئاً واتّفق مع المرتهن أنّه إن جاءه بحقّه في محلّه - أي حلول أجله - وإلا فالرّهن للمرتهن لحديث‏:‏ «لا يغلق الرّهن من صاحبه‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ ولأنّه بيع معلّق على شرطٍ‏.‏

ثالثاً‏:‏ المحل بمعنى الشّيء الّذي يقع عليه التّصرف

10 - محل العقد ما يقع عليه العقد وتظهر فيه أحكامه وآثاره ويختلف باختلاف العقود فقد يكون المحل عيناً ماليّةً كالمبيع والموهوب والمرهون‏,‏ وقد يكون المحل عملاً كعمل الأجير والزّارع والوكيل‏,‏ وقد يكون منفعةً كمنفعة المأجور والمستعار‏,‏ وقد يكون غير ذلك كما في النّكاح والكفالة ونحوها‏.‏

وللمحلّ شروط مختلفة تفصيلها في مصطلح‏:‏ ‏(‏عقد ف 33 - 42‏)‏‏.‏

أثر فوات المحلّ

11 - يترتّب على فوات محلّ التّصرف بطلانه أو الضّمان‏,‏ ولذلك فروع وأحوال مختلفة تفصيلها في مصطلحات‏:‏ ‏(‏بيع ف 59، وعقد ف 60، وفسخ ف 17، وضمان ف 19 وما بعدها‏)‏‏.‏

مُحَلِّل

انظر‏:‏ تحليل‏.‏

مُحيط

انظر‏:‏ إحرام‏.‏

مُحيل

انظر‏:‏ حوالة‏.‏

مُحَيِّرة

انظر‏:‏ متحيّرة‏.‏

مُخَابَرة

التّعريف

1 - من معاني المخابرة في اللغة‏:‏ المزارعة على بعض ما يخرج من الأرض‏,‏ من خبرت الأرض‏:‏ شققتها للزّراعة فقط‏.‏

وفي الاصطلاح عرّفها الحنفيّة بأنّها‏:‏ عقد على الزّرع ببعض الخارج‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ هي المزارعة‏,‏ وهي دفع أرضٍ وحبٍّ لمن يزرعه ويقوم عليه‏,‏ أو دفع حبٍّ مزروعٍ لمن يعمل عليه بجزء مشاعٍ معلومٍ من المتحصّل‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ هي المعاملة على أرضٍ ببعض ما يخرج منها‏,‏ والبذر من العامل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المساقاة‏:‏

2 - المساقاة هي دفع شجرٍ إلى من يصلحه بجزء معلومٍ من ثمره والصّلة‏:‏ أنّ المخابرة تكون على العمل على الزّرع وتعهده ببعض الخارج‏,‏ والمساقاة تكون على شجرٍ مثمرٍ ببعض الخارج‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمخابرة

3 - اختلف الفقهاء في مشروعيّة المخابرة‏:‏

فذهب الجمهور إلى أنّها جائزة بشروط ذكروها في المزارعة‏,‏ لأنّ المخابرة والمزارعة عندهم بمعنى واحدٍ‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّها لا تصح‏,‏ واستدلوا‏:‏ بحديث‏:‏ «نهى النّبي صلى الله عليه وسلم عن المخابرة»‏.‏

وحديث‏:‏ «من كانت له أرض فليزرعها‏,‏ فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه‏,‏ فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها»‏.‏

والتّفصيل وأدلّة الفقهاء فيما ذهبوا إليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏مزارعة‏)‏‏.‏

مُخَادَعَة

انظر‏:‏ خدعة‏.‏

مَخَارج الحِيَل

التّعريف

1 - مخارج الحيل مركّب إضافي من مخارج وحيلٍ‏.‏

فالمخارج في اللغة‏:‏ جمع مخرجٍ وهو موضع الخروج ويقال‏:‏ وجدت للأمر مخرجاً مخلصاً، وفلان يعرف موالج الأمور ومخارجها أي‏:‏ متصرّف خبير بالأشياء‏.‏

والمخارج في استعمالات الفقهاء‏:‏ هي الحيل المباحة والعمل بها لأنّها مخارج بالنّسبة لمن حلّت به نازلة وضيّق عليه في أمرٍ من الأمور‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً‏}‏ قال غير واحدٍ من المفسّرين‏:‏ مخرجاً ممّا ضاق على النّاس‏.‏

ولا ريب أنّ الحيل مخارج ممّا ضاق على النّاس فالحالف يضيق عليه إلزام ما حلف عليه فيكون له بالحيلة مخرج منه والرّجل تشتد به الضّرورة إلى نفقةٍ ولا يجد من يقرضه فيكون له من هذا الضّيق مخرج بالعينة والتّورق ونحوهما‏.‏

والحيلة لغةً‏:‏ الحذق في تدبير الأمور‏.‏

وفي الاصطلاح قال النّسفيّ‏:‏ ما يتلطّف به لدفع المكروه‏.‏

وقال ابن القيّم‏:‏ غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفيّة الّتي يتوصّل بها الرّجل إلى حصول غرضه بحيث لا يتفطّن له إلا بنوع من الذّكاء والفطنة وسواء كان المقصود أمراً جائزاً أو محرّماً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرخصة‏:‏

2 - الرخصة في اللغة‏:‏ التّسهيل في الأمر والتّيسير‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ ما وسّع للمكلّف في فعله لعذر وعجزٍ عنه مع قيام سبب المحرّم‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ الرخصة ما بني على أعذار العباد ويقابلها العزيمة‏.‏

وتشترك الرخصة مع مخارج الحيل في التّيسير في كلٍّ‏.‏

ب - التّيسير‏:‏

3 - من معاني التّيسير‏:‏ التّسهيل والتّهيئة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والعلاقة بين مخارج الحيل والتّيسير أنّ المخارج سبب في التّيسير‏.‏

الحكم التّكليفي

4 - اختلف الفقهاء في جواز الحيل‏:‏

قال الحنفيّة - كما قال السّرخسيّ - إنّ الحيل في الأحكام المخرجّة عن الآثام جائز عند جمهور العلماء واستدلّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَََلا تَحْنَثْ‏}‏‏,‏ ووجه الاستدلال أنّ هذا تعليم المخرج لأيوب عليه السلام عن يمينه الّتي حلف ليضربن زوجته مائةً‏.‏

وبما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب لنعيم بن مسعودٍ رضي الله عنه وقد أسلم‏:‏ «إنّما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنّا إن استطعت فإنّما الحرب خدعة»‏.‏ وقال‏:‏ والحاصل أنّ ما يتخلّص به الرّجل من الحرام أو يتوصّل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن وإنّما يكره من ذلك أن يحتال في حقّ شخصٍ حتّى يبطله أو في باطلٍ حتّى يموّهه أو في حقٍّ حتّى يدخل فيه شبهةً فما كان على هذا السّبيل فهو مكروه وما كان على سبيل الأوّل فلا بأس به لأنّ اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏‏.‏

وعند المالكيّة - كما قال الشّاطبيّ - الحقيقة المشهورة للحيل أنّها‏:‏ تقديم عملٍ ظاهر الجواز لإبطال حكمٍ شرعيٍّ وتحويله في الظّاهر إلى حكمٍ آخر، فمآل العمل فيها خرم قواعد الشّريعة في الواقع، كالواهب ماله عند رأس الحول فراراً من الزّكاة، فإنّ أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزّكاة من غير هبةٍ لكان ممنوعاً فإنّ كلّ واحدٍ منهما ظاهر أمره في المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار مآل الهبة المنع من أداء الزّكاة وهو مفسدة، ولكن هذا بشرط القصد إلى إبطال الأحكام الشّرعيّة والحيل في الدّين - بمعنى قلب الأحكام الثّابتة شرعاً إلى أحكامٍ أخر بفعل صحيح الظّاهر لغو في الباطن - غير مشروعةٍ في الجملة‏.‏

وقال الشّاطبيّ‏:‏ ومرجع الأمر في الحيل أنّها على ثلاثة أقسامٍ‏:‏

أحدها‏:‏ لا خلاف في بطلانه كحيل المنافقين والمرائين‏.‏

والثّاني‏:‏ لا خلاف في جوازه كالنطق بكلمة الكفر إكراهاً عليها لأنّه مأذون فيه لكونه مصلحةً دنيويّةً لا مفسدة فيها بإطلاق لا في الدنيا ولا في الآخرة‏.‏

والثّالث‏:‏ وهو محل الإشكال والغموض‏:‏ وهو ما لم يتبيّن فيه بدليل واضحٍ قطعيٍّ لحاقه بالقسم الأوّل أو الثّاني، ولا تبيّن فيه للشّارع مقصد يتّفق على أنّه مقصود له، ولا ظهر أنّه على خلاف المصلحة الّتي وضعت لها الشّريعة بحسب المسألة المفروضة فيه، فصار هذا القسم من هذا الوجه متنازعاً فيه‏.‏

وعند الشّافعيّة قال ابن حجرٍ‏:‏ الحيل عند العلماء على أقسامٍ بحسب الحامل عليها، فإن توصّل بها بطريق مباحٍ إلى إبطال حقٍّ أو إثبات باطلٍ فهي حرام، أو إلى إثبات حقٍّ أو دفع باطلٍ فهي واجبة أو مستحبّة، وإن توصّل بها بطريق مباحٍ إلى سلامةٍ من وقوعٍ في مكروهٍ فهي مستحبّة أو مباحة، أو إلى ترك مندوبٍ فهي مكروهة، ونقل ابن حجرٍ عن الشّافعيّ أنّه نصّ على كراهة تعاطي الحيل في تفويت الحقوق فقال بعض أصحابه هي كراهة تنزيهٍ، وقال كثير من محقّقيهم كالغزاليّ‏:‏ هي كراهة تحريمٍ ويأثم بقصده، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» فمن نوى بعقد البيع الرّبا وقع في الرّبا ولا يخلّصه من الإثم صورة البيع، ومن نوى بعقد النّكاح التّحليل كان محلّلاً ودخل في الوعيد على ذلك باللّعن‏,‏ ولا يخلّصه من ذلك صورة النّكاح وكل شيءٍ قصد به تحريم ما أحلّ اللّه أو تحليل ما حرّم اللّه كان إثماً، ولا فرق في حصول الإثم في التّحليل على الفعل المحرّم بين الفعل الموضوع له‏,‏ والفعل الموضوع لغيره إذا جعل ذريعةً له‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ قال ابن القيّم‏:‏ تجويز الحيل يناقض سدّ الذّرائع مناقضةً ظاهرةً فإنّ الشّارع يسد الطّريق إلى المفاسد بكلّ ممكنٍ، والمحتال يفتح الطّريق إليها بحيلة، والحيل المحرّمة مخادعة للّه، ومخادعة اللّه حرام، فحقيق بمن اتّقى اللّه وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم اللّه بأنواع المكر والاحتيال، ويدل على تحريم الحيل الحديث الصّحيح وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ «لا يجمع بين متفرّقٍ ولا يفرّق بين مجتمعٍ خشية الصّدقة» وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزّكاة أو تنقيصها بسبب الجمع أو التّفريق، وممّا يدل على التّحريم‏:‏ أنّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أجمعوا على تحريم هذه الحيل وإبطالها وإجماعهم حجّة قاطعة‏.‏

وممّا يدل على بطلان الحيل وتحريمها‏:‏ أنّ اللّه تعالى إنّما أوجب الواجبات وحرّم المحرّمات لما تتضمّن من مصالح عباده ومعاشهم ومعادهم، فإذا احتال العبد على تحليل ما حرّم اللّه وإسقاط ما فرض اللّه وتعطيل ما شرع اللّه كان ساعياً في دين اللّه تعالى بالفساد، وأكثر هذه الحيل لا تمشي على أصول الأئمّة بل تناقضها أعظم مناقضةٍ‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ لا يحل الاحتيال لإسقاط الشفعة وإن فعل لم تسقط‏.‏

قال أحمد في رواية إسماعيل بن سعيدٍ وقد سألته عن الحيلة في إبطال الشفعة‏:‏ لا يجوز شيء من الحيل في ذلك ولا في إبطال حقّ مسلمٍ‏.‏

مخارج الحيل في التّصرفات الشّرعيّة

تدخل الحيل في العديد من أبواب الفقه من ذلك ما يأتي‏:‏

الحيلة في المسح على الخفّين

5 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يشترط لجواز المسح على الخفّين لبسهما على طهارةٍ كاملةٍ، واختلفوا فيما لو لبس المتوضّئُ أحد الخفّين قبل غسل الرّجل الأخرى ثمّ غسل الأخرى ولبس عليها الخفّ‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز المسح لأنّه لم يلبس على كمال الطّهارة والحيلة في جواز المسح عند الحنابلة كما صرّح به ابن القيّم‏:‏ أن يخلع هذه الفردة الثّانية ثمّ يلبسها‏.‏

الحيلة في الصّلاة

6 - من الحيل في الصّلاة عند الحنفيّة ما صرّح به ابن نجيمٍ‏:‏ بأنّه إذا صلّى الظهر منفرداً أربعاً فأقيمت الجماعة في المسجد فالحيلة أن لا يجلس على رأس الرّابعة حتّى تنقلب هذه الصّلاة نفلاً ويصلّي مع الإمام‏.‏

قال الحمويّ‏:‏ وإذا انقلبت هذه الصّلاة نفلاً يضمّ إليها ركعةً أخرى لئلا يلزم التّنفل بالبتراء‏.‏

الحيلة في قراءة الحائض

7 - قال الحنابلة‏:‏ لا يحرم على الجنب قراءة بعض آيةٍ ما لم تكن طويلةً ولو كرّره، لأنه لا إعجاز فيه، ما لم يتحيّل على قراءةٍ تحرم عليه كقراءة آيةٍ فأكثر، لأنّ الحيل غير جائزةٍ في شيءٍ من أمور الدّين‏.‏

الحيلة في قراءة آية السّجدة

8 - من الحيل عند الحنفيّة في قراءة آية السّجدة أن يقرأ سورة السّجدة‏,‏ ويدع آيتها أو يقرأها سراً بحيث لا يسمع نفسه لأنّ المعتبر إسماع نفسه لا مجرّد تصحيح الحروف على المشهور‏.‏

واختلفوا في حكم هذه الحيلة‏:‏ فيرى أبو يوسف بأنّها لا تكره، وقال محمّد‏:‏ تكره، وعليه الفتوى‏.‏

الحيلة في الزّكاة

الكلام على الحيل في الزّكاة في موضعين‏:‏

أ - في سقوط الزّكاة‏:‏

9 - اختلف الفقهاء في التّحيل على إسقاط الزّكاة بإبدال النّصاب بغير جنسه قبل نهاية الحول‏:‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى سقوط الزّكاة لأنّ النّصاب نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه كما لو أتلفه لحاجته‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيدٍ إلى تحريم التّحيل لإسقاط الزّكاة، وأنّه لا تسقط عنه الزّكاة سواء كان المبدّل ماشيةً أو غيرها من النصب‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة ف 114‏)‏‏.‏

ب - في مصرف الزّكاة‏:‏

10 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجوز دفع الزّكاة إلى أصله وإن علا ولا إلى فرعه وإن سفل وإن كانا معسرين، والحيلة عند الحنفيّة في جواز ذلك مع الكراهة أن يتصدّق بها على الفقير ثمّ يصرفها الفقير إليهما‏.‏

وكذلك التّمليك شرط في مصارف الزّكاة، فلا تصرف الزّكاة إلى بناء نحو مسجدٍ كبناء القناطر والسّقايات وإصلاح الطرقات وكري الأنهار والحجّ والتّكفين وكلّ ما لا تمليك فيه، والحيلة في جواز الدّفع لهذه الأشياء مع صحّة الزّكاة عند الحنفيّة‏:‏ أن يتصدّق على الفقير ثمّ يأمره بفعل هذه الأشياء فيكون له ثواب الزّكاة وللفقير ثواب هذه القرب‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّه لا يجوز في الزّكاة أداء الدّين عن العين، والمراد بالدّين ما كان ثابتاً في الذّمّة من مال الزّكاة، وبالعين ما كان قائماً في ملكه من نقودٍ وعروضٍ، وأداء الدّين عن العين كجعله ما في ذمّة مديونه زكاةً لماله الحاضر‏.‏

وكذلك لا يجوز أداء دينٍ عن دينٍ سيقبض، كما لو أبرأ الفقير عن بعض النّصاب ناوياً به الأداء عن الباقي لأنّ الباقي يصير عيناً بالقبض فيصير مؤدّياً الدّين عن العين‏.‏

وحيلة الجواز عندهم فيما إذا كان له دين على معسرٍ وأراد أن يجعله زكاةً عن عينٍ عنده، أو عن دينٍ له على آخر سيقبضه‏:‏ أن يعطي مديونه الفقير زكاته‏,‏ ثمّ يأخذها عن دينه، قال في الأشباه‏:‏ وهو أفضل من غيره، واستدلّ ابن عابدين لهذا بقوله‏:‏ لأنّه يصير وسيلةً إلى براءة ذمّة المديون‏.‏

وصرّح المالكيّة والحنابلة بأنّه يجوز إلا إذا كان حيلةً، قال الحطّاب‏:‏ ومحل الجواز إذا لم يتواطآ عليه وإلا منع اتّفاقاً‏.‏

وقال أحمد‏:‏ إن كان حيلةً فلا يعجبني، قال القاضي وغيره‏:‏ معنى الحيلة أن يعطيه بشرط أن يردّها عليه من دينه، لأنّ من شرطها كونها تمليكاً صحيحاً، فإذا شرط الرجوع لم يوجد، ولأنّ الزّكاة حق اللّه تعالى فلا يجوز صرفها إلى نفعه، وإن ردّ الغريم من نفسه ما قبضه وفاءً عن دينه من غير شرطٍ ولا مواطأةٍ جاز لربّ المال أخذه من دينه لأنّه بسبب متجدّدٍ كالإرث والهبة‏.‏

الحيلة في الحجّ

11 - ذهب الحنفيّة إلى جواز الحيلة في الحجّ، وذلك كأن يهب ماله لابنه قبل أشهر الحجّ واختلفوا في حكمها‏:‏

فقال أبو يوسف‏:‏ لا تكره، وقال محمّد‏:‏ تكره وعليه الفتوى‏.‏

وإذا خاف الرّجل لضيق الوقت أن يحرم بالحجّ فيفوته، فيلزمه القضاء ودم الفوات، فالحيلة من الخلاص من ذلك‏:‏ أن يحرم إحراماً مطلقاً ولا يعيّنه، فإن اتّسع له الوقت جعله حجاً مفرداً أو قراناً أو تمتعاً، وإن ضاق عليه الوقت جعله عمرةً ولا يلزمه غيرها‏.‏

قال ابن نجيمٍ‏:‏ إذا أراد الآفاقي دخول مكّة بغير إحرامٍ من الميقات فالحيلة أن يقصد مكاناً آخر داخل المواقيت كبستان بني عامرٍ‏.‏

وعلّق الحمويّ عليه بقوله‏:‏ عبارة التّتارخانيّة‏:‏ قصد مكاناً آخر وراء ميقاتٍ نحو بستان بني عامرٍ أو موضعاً آخر بهذه الصّفة لحاجة‏,‏ ثمّ إذا وصل إلى ذلك الموضع يدخل مكّة بغير إحرامٍ‏.‏

وعن أبي يوسف أنّه شرط الإقامة بذلك المكان خمسة عشر يوماً‏,‏ يعني لو نوى أقلّ من ذلك لا يدخل بغير إحرامٍ‏.‏

الحيلة في النّكاح

12 - الأصل أنّه إذا ادّعت امرأة نكاح رجلٍ فأنكر، ولا بيّنة ولا يمين عليه عند أبي حنيفة فلا يمكنها التّزوج، ولا يؤمر بتطليقها لأنّه يصير عقداً بالنّكاح، فالحيلة عند أبي حنيفة كما صرّح به ابن نجيمٍ‏:‏ أن يأمره القاضي أن يقول‏:‏ إن كنت امرأتي فأنت طالق ثلاثاً‏.‏

ومن الحيل في باب النّكاح ما ذكره محمّد بن الحسن أنّ أبا حنيفة سئل عن أخوين تزوّجا أختين، فزفّت كل واحدةٍ منهما إلى زوج أختها ولم يعلموا حتّى أصبحوا، فذكر ذلك لأبي حنيفة وطلبوا المخرج منه فقال‏:‏ ليطلّق كل واحدٍ من الأخوين امرأته تطليقةً، ثمّ يتزوّج كل واحدٍ منهما المرأة الّتي دخل بها مكانها فيكون جائزاً لأنّه لم يكن بينه وبين زوجته دخول ولا خلوة‏,‏ ولا عدّة عليها من الطّلاق لأنّه طلّقها قبل الدخول، وعدّتها من الواطئ لا تمنع نكاحه‏.‏

ونقل ابن القيّم ذلك ثمّ قال‏:‏ وهذه الحيلة في غاية اللطف‏,‏ فإنّ المرأة الّتي دخل بها كل منهما قد وطئها بشبهة فله أن ينكحها في عدّتها فإنّه لا يصان ماؤه عن مائه‏,‏ وأمره أن يطلّق واحدةً فإنّه لم يدخل بالّتي طلّقها فالواحدة تبينها ولا عدّة عليها منه‏,‏ فللآخر أن يتزوّجها‏.‏

الحيلة في الطّلاق

13 - الأصل أنّه يقع الطّلاق بقول الزّوج لزوجته‏:‏ أنت طالق، فالحيلة في عدم وقوع ذلك كما روي عن أبي حنيفة‏:‏ أن يصل قوله بالاستثناء ويقول‏:‏ أنت طالق إن شاء اللّه‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏طلاق ف 55 وما بعدها‏)‏‏.‏

الحيلة السريجيّة في الطّلاق

14 - صورة هذه الحيلة - كما نقلها ابن القيّم - أن يقول زوج لزوجته‏:‏ كلّما طلّقتك أو كلّما وقع عليك الطّلاق فأنت طالق قبله ثلاثاً، يقول أبو العبّاس بن سريجٍ - ووافقه عليه جماعة من أصحاب الشّافعيّ -‏:‏ إنّه لا يتصوّر وقوع الطّلاق بعد ذلك إذ لو وقع لزم ما علّق به وهو الثّلاث، وإذا وقعت الثّلاث امتنع وقوع هذا المنجّز، فوقوعه يفضي إلى عدم وقوعه وما أفضى وجوده إلى عدم وجوده لم يوجد‏.‏

وأبى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وكثير من الشّافعيّة ثمّ اختلفوا في وجه إبطال هذا التّعليق فقال الأكثرون‏:‏ هذا التّعليق لغو وباطل من القول‏.‏

الحيلة في الأيمان

15 - الأصل عند أبي حنيفة ومحمّدٍ‏:‏ أنّ إمكان تصور البرّ في المستقبل شرط انعقاد اليمين ولو بطلاق، وكذلك شرط بقائها، وقال أبو يوسف‏:‏ لا يشترط تصور البرّ ولهذا الأصل فروع كثيرة منها‏:‏

قال الزّوج لزوجته‏:‏ إن لم تهبيني صداقك اليوم فأنت طالق، وقال أبوها‏:‏ إن وهبته فأمك طالق، فالحيلة في ذلك‏:‏ أن تشتري الزّوجة من زوجها بمهرها ثوباً ملفوفاً، فإذا مضى اليوم لم يحنث أبوها لعدم الهبة ولا الزّوج لعجزها عن الهبة عند الغروب، لسقوط المهر بالبيع، ثمّ إذا أرادت الرجوع ردّته بخيار الرؤية‏.‏

وكذلك الأصل أنّ المعتبر ملكيّة المالك حين الحنث لا حين الحلف، وعلى هذا لو قال رجل‏:‏ إن فعلت كذا فما أملكه صدقة فحيلته عند الحنفيّة‏:‏ أن يبيع ملكه من رجلٍ بثوب في منديلٍ، ويقبضه ولم يره، ثمّ يفعل المحلوف عليه، ثمّ يرده بخيار الرؤية فلا يلزمه شيء، لأنّ المعتبر الملك حين الحنث لا حين الحلف، ولا يدخل المشتري بخيار الرؤية حتّى يراه ويرضى به‏.‏

الحيلة في الوقف

16 - صرّح ابن نجيمٍ من الحنفيّة بأنّه إذا أراد شخص وقف داره في مرض موته، وخاف عدم إجازة الورثة، فالحيلة‏:‏ أن يقرّ أنّها وقف رجلٍ وإن لم يسمّه، وأنّه متولّيها وهي في يده‏.‏

الحيلة في الوصاية

17 - إذا أراد المريض الّذي لا وارث له أن يوصي بجميع أمواله في أبواب البرّ، ففي الصّحيح عن القول عند الحنابلة أنّه لا يملك ذلك، فالحيلة في ذلك‏:‏ أن يقرّ لإنسان يثق بدينه وأمانته بدين يحيط بماله كلّه، ثمّ يوصيه إذا أخذ ذلك المال أن يضعه في الجهات الّتي يريد‏.‏

الحيلة في التّركة

18 - الأصل في التّركة أنّ نقدها وعينها ودينها شائع بين الورثة‏,‏ فليس لبعضهم الاستقلال بشيء دون قسمةٍ معتبرةٍ، حتّى لو قبض بعضهم شيئاً من الدّين لم يختصّ به وإن قصد المدين الأداء عن حصّته فقط‏.‏

ومن حيل الاستقلال - كما صرّح به الشّافعيّة - أن يحيل بعض الورثة دائنه على قدر حصّته من دين التّركة‏,‏ فإذا وفّى مدين التّركة المحتال عن الحوالة اختصّ بحصّتها ولم يشارك فيها الوارث الآخر‏.‏

الحيلة في البيع والشّراء

19 - لو اشترى رجل داراً بألف درهمٍ فخاف أن يأخذها جارها بالشفعة، فاشتراها بألف دينارٍ من صاحبها ثمّ أعطاه بالألف دينارٍ ألف درهمٍ، فصرّح أبو يوسف من الحنفيّة بأنّ العقد جائز، لأنّه مصارفة بالثّمن قبل القبض، وذلك جائز لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي أبيع الإبل بالبقيع‏,‏ وربّما أبيعها بالدّراهم‏,‏ وآخذ مكانها دنانير‏,‏ فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل»‏,‏ فإن حلّفه القاضي‏:‏ ما دلّست ولا والست، فحلف‏,‏ كان صادقاً لأنّ هذه عبارة عن الغرور والخيانة ولم يفعل شيئاً من ذلك‏.‏

الحيلة في الرّبا والصّرف

20 - من الحيل في البيع الرّبويّ بجنسه متفاضلاً كبيع ذهبٍ بذهب متفاضلاً كما صرّح به الشّافعيّة‏:‏ أن يبيع الذّهب من صاحبه بدراهم أو عرضٍ، ويشتري بالدّراهم أو بالعرض الذّهب بعد التّقابض، فيجوز ولو اتّخذه عادةً قياساً بما‏:‏ «أمر النّبي صلى الله عليه وسلم عامل خيبر أن يبيع الجمع بالدّراهم‏,‏ ثمّ يشتري بها جنيباً»‏.‏

أو أن يقرض كل منهما صاحبه ويبرئه، أو أن يتواهبا فهذه الحيل كلها جائزة - عند الحنفيّة والشّافعيّة - إذا لم يشترط في بيعه وإقراضه وهبته ما يفعله الآخر، ولكنّها مكروهة إذا نويا ذلك، لأنّ كلّ شرطٍ أفسد التّصريح به العقد إذا نواه كره، كما لو تزوّج امرأةً بشرط أن يطلّقها لم ينعقد، وبقصد ذلك كره‏.‏

ثمّ هذه الطرق ليست حيلاً في بيع الرّبويّ بجنسه متفاضلاً لأنّه حرام، بل حيل في تمليكه لتحصيل ذلك‏.‏

الحيلة في السّلم

21 - الأصل أنّه لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه غير جنسه كبرّ عن شعيرٍ، والحيلة في جواز هذا الاستبدال كما صرّح به الشّافعيّة‏:‏ أن يفسخا السّلم بأن يتقايلا فيه ثمّ يعتاض عن رأس المال، ولو كان أكثر من رأس المال بكثير، وأيضاً مع بقاء رأس المال الأصليّ‏.‏

الحيلة في الشفعة

22 - الحيلة في الشفعة أن يظهر المتعاقدان في البيع شيئاً لا يؤخذ بالشفعة معه، وأن يتواطآ في الباطن على خلاف ما أظهراه، والكلام على الحيلة في الشفعة في موضعين‏:‏

أ - الحيلة لإبطال حقّ الشفعة‏:‏

23 - الحيلة لإبطال الشفعة إمّا أن تكون للرّفع بعد الوجوب أو لدفعه قبل الوجوب‏.‏

النّوع الأوّل‏:‏ مثل أن يقول المشتري للشّفيع‏:‏ أنا أبيعها منك بما أخذت فلا حاجة لك في الأخذ، فيقول الشّفيع‏:‏ نعم، واختلفوا في حكمها‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه مكروه وفاقاً، وعند الشّافعيّة حرام على الرّاجح‏.‏

والنّوع الثّاني‏:‏ مثل أن يبيع داراً إلا مقدار ذراعٍ منها في طول الحدّ الّذي يلي الشّفيع فلا شفعة له لانقطاع الجوار‏.‏

وكذا إذا وهب منه هذا المقدار وسلّمه إليه تسقط الشفعة عند الحنفيّة والشّافعيّة‏,‏ لكنّهم اختلفوا في حكمها على أقوالٍ‏:‏

فذهب محمّد من الحنفيّة‏,‏ وهو الأصح عند الشّافعيّة‏,‏ وبه قال ابن سريجٍ والشّيخ أبو حامدٍ إلى أنّها تكره هذه الحيلة لأنّها شرعت لدفع الضّرر عن الشّفيع، والحيلة تنافيه، ولأنّ الّذي يحتال لإسقاطها يكون بمنزلة القاصد إلى الإضرار بالغير‏,‏ وذلك مكروه‏.‏

ويرى أبو يوسف من الحنفيّة أنّها لا تكره‏,‏ وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة، صرّح به أبو حاتمٍ القزويني الشّافعي في كتاب الحيل بقوله‏:‏ وأمّا الحيل في دفع شفعة الجار فلا كراهة فيها مطلقاً، لأنّه دفع الضّرر عن نفسه لا الإضرار بالغير، لأنّ في الحجر عليه عن التّصرف أو تملك الدّار عليه بغير رضاه إضراراً به، وهو إنّما قصد دفع هذا الضّرر ولاحتمال أن يكون الجار فاسقاً يتأذّى به، وفي استعمال الحيلة لإسقاط الشفعة تحصيل الخلاص من مثل هذا الجار‏.‏

والفتوى في المذهب الحنفيّ على قول أبي يوسف وقيّد عدم الكراهة في السّراجيّة بما إذا كان الجار غير محتاجٍ إليه، واستحسنه شرف الدّين الغزّيّ من فقهاء الأحناف في تنوير الأبصار حيث قال‏:‏ وينبغي اعتماد هذا القول لحسنه‏.‏

ب - الحيلة لتقليل رغبة الشّفيع‏:‏

24 - إذا أراد شخص أن يبيع داره بعشرة آلاف درهمٍ يبيعها بعشرين ألفاً ثمّ يقبض تسعة آلافٍ وخمسمائةٍ ويقبض بالباقي عشرة دنانير أو أقلّ أو أكثر، فلو أراد الشّفيع أن يأخذها بعشرين ألفاً إن شاء‏,‏ فلا يرغب في الشفعة بسبب كثرة الثّمن‏.‏

وللحيل المسقطة للشفعة‏,‏ والمقلّلة لرغبة الشّفيع أمثلة كثيرة في كتب الفقه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ الحيل لا تفيد في العبادات ولا في المعاملات‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا يحل الاحتيال لإسقاط الشفعة وإن فعل لم تسقط، قال أحمد‏:‏ لا يجوز شيء من الحيل في ذلك ولا في إبطال حقّ مسلمٍ‏.‏

وبهذا قال أبو أيوب وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وأبو إسحاق والجوزجانيّ، واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود‏,‏ فتستحلوا محارم اللّه بأدنى الحيل»، ولأنّ الشفعة وضعت لدفع الضّرر‏,‏ فلو سقطت بالتّحيل للحق الضّرر‏,‏ فلم تسقط‏,‏ مثل أن يشتري شقصاً يساوي عشرة دنانير بألف درهمٍ ثمّ يقضيه عنها عشرة دنانير‏.‏

وأمّا إذا لم يقصد به التّحيل فتسقط به الشفعة، لأنّه لا خداع فيه ولا قصد به إبطال حقٍّ، والأعمال بالنّيّات‏,‏ والقول قول المشتري فيما إذا اختلفا في كونه حيلةً أم لا، لأنّ المشتري أعلم بنيّته وحاله‏.‏